الاقتتال الليبي في طرابلس حربٌ بالوكالة بين فرنسا وإيطاليا

تعيش العاصمة الليبية طرابلس منذ بداية الشهر الجاري اقتتالًا داميًا بين الإخوة الأعداء، بين الشرق والغربي اللّيبين، اقتتال يئنّ تحت وطأته الليبيون بمختلف مشاربهم، وتوجّهاتهم، حتى أنّ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية يتحدث عن “أزمة إنسانية خطيرة” بعد فرار أكثر من 9500 شخص، ومقتل 75 شخصًا، وجرح 232 آخرين، بسبب المعارك الدائرة في محيط العاصمة الليبية طرابلس.

جوزيبي كونتي وإيمانويل ماكرون

 

هذا الاقتتال الذي ينفّذ بأيادي ليبية، ليس في الواقع، سوى حرب بالوكالة، على الأرض الليبية، بين فرنسا وإيطاليا، وما التجاذب الإعلامي بين البلدين الذين يعرفان ليبيا جيدًا، إلا أكبر دليل على أنها حاضران وبقوة، ليس في المشهد السياسي الليبي فقط، بل في المعارك الدائرة بين الليبيين، من أجل بسط نفوذهما على ليبيا، والتمتع بخيراتها، وأساسًا، ضمان الحصول على النفط، بأسعار  زهيدة.

 

خلافات إيطالية فرنسية

 

الخلافات الإيطالية الفرنسية حول الوضع في ليبيا، ومستقبل هذا البلد، تطفو على سطح الأحداث بقوة، حتى أنّ الحرب المستعرة بين المسئولين الفرنسيين والإيطاليين خرجت للعلن، وهو ما يزيد الاقتتال اشتعالًا، ولا يعطي أملًا في وجود جلّ سياسيّ يتمّ الاتفاق بشأنه بين الإخوة الأعداء. عداوة، لا تقف وراءها، غير فرنسا وإيطاليا، فقد اتهمت إيطاليا الفرنسيين بالتورّط في الاقتتال الدائر في الغرب الليبي، بين قوات الجيش الليبي، وقوات المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دولياً.

 

حرب بالوكالة بين فرنسا وإيطاليا

 

وأكد رئيس البرلمان الأوروبي انطونيو تايان، وممثلة السياسة الخارجية فيدريكا موغيريني، يوم أمس، حجم الخلاف بين فرنسا وإيطاليا حول تبني موقف واضح ممّا يجري في طرابلس، بسبب أصول باريس النفطية الهائلة في ليبيا، والتي اعتبرتها إيطاليا بأنها سبب التلاعب الذي تقوم به فرنسا.

 

وجاء الرّدّ من المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أنييس فون دير مول، مؤكدة أنّ “بلادها لم تُعطّل صدور البيان الأوروبي”، مشيرة إلى أنّ “فرنسا طالبت الاتحاد الأوروبي بإجراء ثلاثة تعديلات على البيان”.

 

أما نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني، فقد أعرب عن تخوّفه ممّا أسماه “لعبة الحرب” من أجل أطماع اقتصادية، أنانية، بحسب تصريح إذاعيّ، مؤكدًا، أنها “لعبة خطرة جدًا”.

 

وتستثمر كلّ من شركتي “توتال” الفرنسية، و”إينّي” الإيطالية في استغلال النفط الليبي، من خلال عقود طويلة الأمد، وهما تتصارعان من أجل النفوذ، والتواجد بقوة في الاقتصاد الليبي الذي يعتمد أساسًا على النفط ومشتقاته.

 

لا علم لنا بالعملية العسكرية

 

أكدت الخارجية الفرنسية، في بيان لها، يوم أمس، أنها “لم تكن على علم بالعملية العسكرية التي بدأها الجيش الوطني على تخوم العاصمة طرابلس”، معربة عن “قلقها من مشاركة أشخاص مدرجين على قوائم الأمم المتحدة، بسبب أنشطتهم الإرهابية والإجرامية في هذه المعارك”. وأضافت الخارجية الفرنسية، أنها “تتواصل مع طرفي النزاع في ليبيا بهدف الوصول إلى وقف لإطلاق النار”.

 

وأعربت عن “أسفها لقرار المدعي العام العسكري للجيش الوطني بإلقاء القبض على فائز السراج وعدد من المدنيين والعسكريين في حكومة الوفاق بعدة تهمٍ منها الخيانة ودعم المجموعات الإرهابية والتآمر مع بلدانٍ أجنبية”.

 

من جانبها، اعتبرت ممثلة الأمن والسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني”، أنّ هذه المعارك تمثل “تهديدًا مباشرًا” للعملية السياسية برعاية الأمم المتحدة. مؤكدة في بيان لها، أنّ “هذا التهديد المباشر لا يطال فقط الجانب السياسي، بل يعرّض حياة المدنيين الليبيين، والمهاجرين غير القانونيين، واللّاجئين للخطر”.

 

وأعربت عن قلقها من “العواقب الوخيمة” لهذه المعارك، على ليبيا، وكامل المنطقة، بسبب تصاعد التهديدات الإرهابية، داعية إلى ضرورة إيجاد “حلّ سياسيّ”.

 

اقتتال في العاصمة الليبية طرابلس

 

قلق في الجزائر وتونس

 

أكد وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، أنّ الجزائر تعمل على وضع آلية مع جيرانها، مشيرًا إلى أنها “دعت تونس ومصر، للقاء عاجل، للحوار حول مبادرة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، لحل الأزمة الليبية”.

 

وشدّد الوزير الجزائري على أنه يتابع الأحداث في ليبيا، ويعمل على المساعدة من أجل وضع حدّ للصراع العسكري في العاصمة الليبية طرابلس.

 

واتّهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حلف شمال الأطلسي “ناتو”، قائلًا في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “إنّ ما قام به حلف “ناتو” في ليبيا هو أنه حوّلها إلى “دولة فاشلة، وثقب أسود، يمرّ الإرهابيون من خلاله، ويتمّ تهريب الأسلحة إلى الجنوب، وإلى الشمال، وموطئ يتدفق منه المهاجرون غير القانونيين”.

 

فرار 9500 شخص بسبب المعارك

 

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أنّ “أكثر من 9500 شخص فرّوا بسبب المعارك الدائرة حاليًا في المنطقة الغربية في ليبيا”.

 

وأكد في بيان، نشره اليوم، أنّ “هذه الحصيلة القابلة للارتفاع بشكل سريع تشمل تنقل نحو 3500 شخص خلال الساعات الـ24 الماضية”، مؤكدًا أنّ “غالبية الأسر التي طالبت بإجلائها من مناطق المعارك لم يتمّ الوصول إليها بسبب ضراوة القتال”.

 

وكان غسّان سلامة، المبعوث الأمم إلى ليبيا، أعلن يوم الثلاثاء الماضي، تأجيل الملتقى الوطني الليبي الجامع، الذي كان سينظم بمدينة غدامس، غرب ليبيا، في الفترة من 14 إلى 16 أبريل الجاري، بسبب الاقتتال الدائر في العاصمة الليبية طرابلس، وقال إنه “لا يمكن لنا أن نطلب الحضور للملتقى، والمدافع تُضرَب، والغارات تُشَنّ، دون التأكد من تمكّن كل الذين أبدوا الاستعداد للاستجابة لهذا الواجب الوطني التاريخي من عموم مناطق البلاد، ومن تأمين سلامتهم وحريتهم بالتعبير عن رأيهم”.

 

 اتهامات متبادلة

 

تعدد الاتهامات المتبادلة بين الطرفين المتقاتلين في العاصمة الليبية طرابلس، حيث كشف اللواء أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش الوطني، عن وجود، ما اعتبرها “خطوطًا مفتوحةً من تركيا، ومالطا، جوًّا، وبحرًا لدعم مجموعات طرابلس بالسلاح والمقاتلين”.

 

وأكد المسماري، اليوم السبت، في مؤتمر صحفي، أنّ “طائرات تعمل على نقل مقاتلين من النصرة، من سوريا، إلى ليبيا، عبر تركيا”، متهمًا رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج “بدفع الملايين للمجموعات الهاربة من بنغازي ودرنة”.

 

اللواء أحمد المسماري

وأضاف أنّ “عدد المقاتلين الأجانب يزداد في طرابلس”، وتوقّع “حدوث عمليات انتحارية، وإرهابية في ليبيا”، مستدركًا أنّ “الجيش مسيطر على الوضع”.

وشدّد المسماري على أنّ “معركة طرابلس بين الليبيين والإرهاب”.

 

وردّ رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، اتهامات المسماري، بالقول، إنّ: “مقاتلات الجيش الوطني تستهدف مناطق مدنية تشمل البيوت، والبنية التحتية”، مشيرًا إلى أنّ “القصف، طال في آخر الأمر، مدرسة بمنطقة عين زارة، اليوم السبت”.

 

وقال السراج، خلال لقائه برئيس البعثة الأممية غسّان سلامة، ونائبته للشؤون السياسية ستيفاني ويليامز، بمقر المجلس الرئاسي في طرابلس، اليوم السبت، إنه أبلغ المبعوث الأممي بحصول “حالات انتهاك لحقوق الإنسان”.

 

بدوره، أكد غسّان سلامة، أنّ المحاولات متواصلة لوقف الحرب، وأنه يرفض بشكل قطعيّ أي اعتداء على المدنيين، والمنشآت المدنية. واعتبر مل يحصل “انتهاكًا خطيرًا للقانون الإنساني الدولي”.

 

فائز السراج وغسان سلامة

 

وفي بنغازي، أصدر مجلس النواب، اليوم السبت، بيانًا، أكد فيه، على أنّ استقرار ليبيا “لن يتمّ إلّا بالتخلص من التنظيمات الإرهابية المُتعدّدة التي يقودها مطلوبون للعدالة الدولية والمحلية، وأطراف ليبية مُتورّطة في نهب المال العام”، بسحب البيان.

 

وأكد البيان أنه “يدعم التحوّل الديمقراطي، والتدأول السلمي على السلطة”، مشيرًا إلى أنّ “القوات المسلحة هي الضامن والمدافع عن تحقيق مبدأ الديمقراطية”.

 


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد