فضل الأيام العشر من ذي الحِجّة.. خصائصها والمستحبُّ من الأعمال الصالحة فيها

اليوم تهلُّ علينا غرّة شهر ذي الحجة لتحل أيام مباركة وهي عشر ذي الحِجّة، التي يقول فيها الله جل جلاله بمحكم تنزيله في سورة البقرة – الآية 198 ” يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ” وأحبّ الأشهر عند الله سبحانه وتعإلى هي الأشهر الحُرُم، وأفضلِها لديه عز وجل شهر ذي الحِجّة، وأفضل أيام هذا الشهر هي العشرة الأولى “عشر ذي الحجة“، ولهذه الأيام فضل كبير ويستحب فيها أن يكثر المسلم من العبادات والطاعات والأعمال الصالحة التي تقربه من الله تعإلى وتصله بخالقه في كل جزئية من جزئيات حياته، وفي هذه المقال سوف نتوقف عند أحد مواسم الخير السنوية الكثيرة في حياة الإنسان المسلم التي يجب أن يحرص على اغتنامها، والمتمثل في عشر  ذي الحجة وبيان فضلها وخصائصها، وعرض لأنواع العبادات والطاعات المشروعة فيها.

فضل الأيام العشر من ذي الحِجّة

عن فضل الأيام العشر من ذي الحِجّة وردت الإشارة إليها صراحة بتسميتها الأيام المعلومات في بعض الآيات الكريمة ومنها قوله تعالى: { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } (سورة الحج: الآيتان 27 -28 ). والأيام المعلومات هي أيام العشر، حسب ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في (تفسير ابن كثير، 1413هـ، ج 3، ص 239)، وقال الله تعإلى أيضًا: { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } (سورة الفجر: الآيتان 1 – 2 )، وقد ورد في تفسير الإمام الطبري وابن كثير لهذه الآية أن الليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة.

كما ورد ذكر الأيام العشر من ذي الحِجّة في السنة النبوية الشريفة بالأيام العشر ببعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلّم  والمراد بها الأيام العشر من ذي الحِجّة، ومن هذه الأحاديث التالية:
الحديث الأول:

عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ (يعني أيامَ العشر )، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء ” (أبو داود، الحديث رقم 2438، ص 370 ).
الحديث الثاني:

عن جابرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :” إن العشرَ عشرُ الأضحى، والوترُ يوم عرفة، والشفع يوم النحر “( رواه أحمد، ج 3، الحديث رقم 14551، ص 327 ).

الحديث الثالث:

عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما من أيامٍ أفضل عند الله من أيامَ عشر ذي الحجة “. قال: فقال رجلٌ: يا رسول الله هن أفضل أم عِدتهن جهاداً في سبيل الله؟ قال: ” هن أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل الله ” (ابن حبان، ج 9، الحديث رقم 3853، ص 164).

الحديث الرابع:

عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” ما من عملٍ أزكى عند الله ولا أعظم أجراً من خيرٍ يعمله في عشر الأضحى. قيل: ولا الجهادُ في سبيل الله؟. قال: ” ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء. قال وكان سعيد بن جُبيرٍ إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يُقدرُ عليه ” (رواه الدارمي، ج 2، الحديث رقم 1774، ص 41 ).

الحديث الخامس:

عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” أفضل أيام الدنيا أيام العشر يعني عشر ذي الحجة “. قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟. قال ” ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفّر وجهه في التُراب ” (رواه الهيثمي، ج 4، ص 17 ).

 خصائص الأيام العشر من ذي الحِجّة

تتميز الأيام العشر من ذي الحِجّة  بخصائص كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر هذه الخصائص التالية :

  • أن الله أقسم بالأيام العشر من ذي الحِجّة وهو ما يُنبئُعن عظيم شرفها وفضلها حيث قال الله تعإلى في كتابه الكريم: { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } (سورة الفجر: الآيتان 1 -2 ).
  • سمّى الله تعالى الأيام العشر من ذي الحِجّة بالأيام المعلومات وفيه شرع فيها ذكره على الخصوص فقال في كتابه العزيز: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } (سورة الحج: الآية 28 ).
  • تعتبر الأعمال الصالحة في الأيام العشر من ذي الحِجّة أحب الأعمال إلى الله فيما سواها من الأيام، ففي الحديث الشريف عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد ” (رواه أحمد، مج 2، ص 131، الحديث رقم 6154 ).
  • في الأيام العشر من ذي الحِجّة “يوم التروية” وهو اليوم الثامن منها والذي تبدأ فيه أعمال الحج.
  • في الأيام العشر من ذي الحِجّة ” يوم عرفة”، وهذا اليوم له فضائل كثيرة ويوم عظيم حيث تُغفر فيه الذنوب والخطايا ويتم التجاوز عنها ويوم العتق من النار ويوم المُباهاة فقد ورد في الحديث النبوي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها-أنها قالت: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ما من يومٍ أكثر من أن يُعتق الله عز وجل فيه عبداً من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ” (رواه مسلم، الحديث رقم 3288، ص 568).
  • في الأيام العشر من ذي الحِجّة ( ليلة جَمع )، وهي ليلة المُزدلفة التي يبيت فيها الحُجّاج ليلة العاشر من شهر ذي الحجة بعد دفعهم من عرفة.
  • في الأيام العشر من ذي الحِجّة شُرعت فريضة الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام.
  • في الأيام العشر من ذي الحِجّة “يوم النحر” وهو يوم العاشر من ذي الحجة، الذي ورد الإشارة إليه في الحديث الشريف على أنه أعظم ايام الدنيا فقد رُوي عن عبد الله بن قُرْط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعإلى يومُ النحر، ثم يوم القَرِّ ” (رواه أبو داود، الحديث رقم 1765، ص 271).
  • الأيام العشر من ذي الحِجّة ورد أنها أفضل من الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان؛ لما أورده شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد سُئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فأجاب: ” أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة “.
  • تعتبر الأيام العشر من ذي الحِجّة أيام مباركات وهي مناسبة سنوية متكررة تجتمع فيها أُمهات العبادات، وفقا لما أشار إلى ذلك ابن حجر بقوله: ” والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أُمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره ” (فتح الباري).
  • يشترك في خير وفضل الأيام العشر من ذي الحِجّة المقيمون في أوطانهم وحجاج بيت الله الحرامعلى حد سواء، لأن فضلها غير مرتبط بمكان معين سوى للحاجّ.

المستحب من الأعمال الصالحة والطاعات في الأيام العشر

التقرب إلى الله تعإلى بالطاعات مطلوب من المسلم في كل وقت وأوان سواء بالقول أو الفعل، ولكن هذه العبادات تتأكد في أوقات معينة ومنها الأيام العشرة من شهر ذي الحجة، وقد ورد في بعض آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية المستحب من العبادات في هذه الأيام ما يلي:

  • الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعإلى والتضرع له بالدعاء وتلاوة القرآن الكريم لقوله تعالى: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } (سورة الحج: الآية 28)، ولما حثّت عليه السنة النبوية الشريفة من الإكثار من ذكر الله تعإلى في هذه الأيام على وجه الخصوص؛ فقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحبُّ إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التكبير، والتهليل، والتحميد ” (أحمد، مج 2، ص 131، الحديث رقم 6154 )، ومما يُستحب أن ترتفع الأصوات به، التكبير وذكر الله تعإلى سواءً عقب الصلوات، أو في الأسواق والدور والطرقات ونحوها، كما يُستحب الإكثار من الدعاء الصالح في هذه الأيام اغتناماً لفضيلتها، وطمعاً في تحقق الإجابة فيها.
  • ويُستحب في هذه الأيام الإكثار من صلاة النوافل باعتبارها من أفضل القُربات إلى الله تعإلى حيث إن ” النوافل تجبر ما نقص من الفرائض، وهي من أسباب محبة الله لعبده وإجابة دعائه، ومن أسباب رفع الدرجات ومحو السيئات وزيادة الحسنات ” (عبد الله بن جار الله، 1410هـ، ص 181).
  • يستحب في الأيام العشر من ذي الحِجّة ” يوم النحر أو خلال أيام التشريق” ذبح الأضاحي لأنها من القربات المشروعة إلى الله تعالى، حيث أنه عندما يذبح المسلم القُربان من الغنم أو البقر أو الإبل، ثم يأكل من أُضحيته ويُهدي ويتصدق، ففي ذلك كثيرٌ من معاني البذل والتضحية والفداء، والاقتداء بهدي النبوة المُبارك.
  • من المستحب في هذه الأيام أيضا، الإكثار من الصدقات المادية والمعنوية لما فيها من التقرب إلى الله تعإلى وطلب الأجر والثواب منه لقوله تعالى: { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } (سورة الحديد :الآية 11)، وكذلك فإن الصدقات تزيد من قوة الروابط الاجتماعية في المجتمع المسلم من خلال تفقد أحوال الفقراء والمساكين واليتامى والمُحتاجين وسد حاجتهم، ولا يقتصر الأجر والثواب على الصدقة المادية وحسب، ذلك لأن في الصدقة أجرٌ عظيم وإن كانت معنويةً أيضا، لما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” على كل مُسلمٍ صدقة “، فقالوا: يا نبي الله ! فمن لم يجد؟ قال: ” يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق “، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: ” يُعين ذا الحاجة الملهوف “، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: ” فليعمل بالمعروف وليُمسك عن الشر فإنها له صدقةٌ ” (رواه البخاري، الحديث رقم 1445، ص 233 ).
  • الصيام وهو من أفضل الأعمال والعبادات التي يُتقرب بها المسلم إلى ربه، والتي لها أجرٌ عظيم في هذه الأيام العشرة، وقد ورد في فضل صيامالعشرة من ذي الحجة، العديد من الأحاديث النبوية منها قوله صلى الله عليه وسلم: “وما من أيام العمل الصالح فيهنّ أحب إلى الله من عشر ذي الحجة”، وفي هذا الحديث دلالة على استحباب صيام عشر ذي الحجة، وقوله عليه السلام: “وما من أيام العمل الصالح فيهنّ أحب إلى الله من عشر ذي الحجة، قيل: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء، فالرسول الكريم حثّ على العمل الصالح في هذه الأيام، وبيّن أنّ الصيام من أفضل الأعمال،   ويبدأ صيام الأيام العشر من ذي الحجة من اليوم الأول وحتى اليوم التاسع منه، واليوم العاشر يكون عيد الأضحى المبارك، ويمكن للمسلم أن يصوم ما يتيسر له، ولا يشترط الترتيب أو المتابعة أو أن يصومها كلها، على الرغم من استحباب ذلك، ولكن على المسلم تحرّي اليوم التاسع وهو يوم عرفة وعقد العزم على صيامه، لما بيّنه رسول الله من أهمية صوم يوم عرفة حيث قال: (صيامُ يومِ عرفةَ، أحتسبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السنةَ التي قبلَه، والسنةَ التي بعده.
  • أداء العمرة، وهي من الأعمال المستحبة لما لها من أجر عظيم وخاصة في أشهر الحج وحثّ رسول الله على الإكثار منها والمتابعة بينها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” العُمرةُ إلى العُمرةِ كفارةٌ لما بينهما ” (رواه البُخاري، الحديث رقم 1773، ص 285 ).
  • ومن الأعمال الصالحة المستحبة في هذه الأيام العشرة، زيارة المسجد النبوي في المدينة المنورة لعظيم أجر الصلاة في المسجد النبوي، حيث ورد أن الصلاة فيه خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، فرُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” صلاةٌ في مسجدي هذا، خيرُ من ألف صلاةٍ في غيره من المساجد؛ إلا المسجد الحرام ” (رواه مسلم، الحديث رقم 3375، ص 583 ).
  • التوبة الصادقة وطلب المغفرة والإنابة إلى الله تعالى، مما يُشرع في هذه الأيام المباركة، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي والخطايا، تحقيقاً لقوله تعالى: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }، (سورة النور: من الآية 31 ).

قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد