تفسير لم ينتبه إليه كثير من المسلمين في أية “لَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ”

تفسير اية “لَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ” والتي وردت في سورة البقرة ورقم الأية 195، وأجمع الفقهاء والعلماء أنها تعني النفقة في سبيل الله، وعندما نترك الآنفاق عن الجهاد فأننا نسير إلى التهلكة وهذا يتبين من سبب نزول الأية، وفي عموم لفظ الأية فسرها العلماء على وجوب ترك أي شيءيؤدي إلى الهلاك المحقق، إلا ما استثناه العلماء والمفسرون من المخاطرة في الجهاد التي تحصل بها نكاية في العدو أو كلمة الحق عند السلطان الظالم، لما في ذلك من النفع الكبير، وقال بعض السلف أن تهلكة الروح والدين تكون بسبب ترك الطاعات والاعتياد على معاصي الله واليأس من توبته.

تفسير أهل العلم لأية “لَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ”

وقال “ابن كثير” ومعنى الأية: الأمر بالإنفاق في سبيل الله في كل وجوه القربات ووجوه الطاعات، وخاصة  صرف الأموال في جهاد الأعداء وبذلها فيما يقوى به المسلمون على عدوهم، وأن ترك فعل ذلك هو هلاك ودمار إن  لزمه واعتاده.

وقال “السعدي” في بيان معنى هذه الآية: أمر الله تعإلى عباده بالنفقة في سبيله، وهو إنقاق الأموال في الطرق الموصلة إلى الله، وهي كل سبل الخير، من صدقة على الفقراء، أو إنفاق على من تجب مساعدته، وأفضل ذلك وأول ما دخل في ذلك الإنفاق في الجهاد في سبيل الله.

وقال “ابن عباس” في تفسيره: ليس التهلكة أن يقتل المسلم في سبيل الله، ولكن ترك النفقة في سبيل الله.
وقال “القاضي أبوبكر ابن العربي” في كتابه “أحكام القرآن” بعد أن ذكر أقوال العلماء في المراد بالتهلكة قال رحمه الله:
قال “الطبري“: هو شامل في جميعها لا تناقض فيه، وقد أختلف في حال اقتحام العساكر.
وقال “القاسم بن مخيمرة والقاسم بن محمد”: لا حرج أن يحمل المسلم وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة وكان لله بنية خالصة،
فإن لم تتوفر فيه قوة فذلك من التهلكة، وقيل: إذا أراد الشهادة وخلصت النية فليفعل؛ لأن هدفة واحد منهم، والصحيح عندي جوازه؛ لأن فيه أربعة فوائد:

  1. السعي للشهادة.
  2. ظهور النكاية.
  3. شدة المسلمين على الأعداء.
  4.  هزيمة نفوس الأعداء أن هذا صنع واحد، فما ظنك بباقي المسلمين.

وقال “الجزائري” رحمه الله: أمرهم بإخراج المال للجهاد لإعداد العدة وتسيير السرايا والمقاتلين، ونهاهم أن يتركوا الإخراج في سبيل الله الذي هو الجهاد فإنهم متى تركوا الإنفاق والجهاد كانوا كمن ألقى بنفسه في الهلاك، وذلك أن العدو المتربص بهم إذا وجدهم كسلوا عن الجهاد غزاهم وقاتلهم وانتصر عليهم فهلكوا.

( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر.رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري.
وقال: سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله.رواه الحاكم والضياء وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وقال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم. رواه مسلم.

فوائد الإنفاق في سبيل الله، وأضرار ترك الإنفاق في سبيل الله

فإن إخراج الأموال فيه جهاد بالمال والجهاد بالبدن، وفيها من الفوائد العظيمة ومنها:

  • العمل على تقوية المسلمين وتوهية الشرك وأصحابه.
  • إقامة دين الإسلام الحنيف.

وترك الإنفاق في سبيل الله تعطيل للجهاد وتسليط للأعداء وشدة تجمعهم علينا، والإلقاء باليد إلى التهلكة سببة أمرين: ترك ما أمر الله به الفرد، إذا كان تركه موجبا أو مقاربا لإزهاق البدن أو الروح، وفعل ما يؤدي إلى تلف النفس أو الروح، فيدخل تحت ذلك أمور عدة ومنها:

  • النفور من الجهاد في سبيل الله أو النفقة فيه، مما يؤدي إلى تسلط الأعداء على المسلمين.
  • تغرير العبد بنفسه في مقاتلة أو سفر مقلق.
  • الذهاب لأماكن يغلب فيها الشعور بالخطر وعدم الاطمئنان.
  • صعود شجرا أو مبنى خطرا، أو أي شيء فيه خطر ونحو ذلك، فهذا وغيره ممن ألقى بيده إلى التهلكة.

و روى الترمذي وغيره وصححه عن ابن عمران قال: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفا عظيماً من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر.. فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله يلقي بيده إلى التهلكة؟ فقام أبو أيوب فقال: يا أيها الناس إنكم لتتأولون هذه الآية هذا التأويل! وإنما أنزلت هذ الآية فينا معشر الآنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها.. فأنزل الله تعإلى على نبيه يرد علينا ما قلنا: وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ.. الآية. وكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو.. فما زال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم.

وبناء عليه يظهر أن الآية تشجع على الجهاد والأنفاق فيه، ويدخل في عمومها البعد عن المخاطرة بالنفس فيما يوقعها في الهلاك.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد