في سورة الأحزاب أخبرنا الله – عز وجل – أنه يصلي على نبيه محمد في السماء وأنه أمر ملائكته أن يصلوا عليه , كما أمر عباده المؤمنين في الأرض ليصلوا عليه لتظل قلوبهم عامرة ومضيئة ودافئة بحبه على مدار الأيام والسنين , و ليجتمع له بذلك ثناء العالمين العلوي والسفلي , رحمة السماء ودعاء الأرض قال تعالى : " إن الله وملائكته يصلون على النبي , يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ." (1)
الآية الكريمة تتضمن إخبارا من الله لعباده المؤمنين بأنه وملائكته يصلون على النبي , فالصلاة من الله كما أجمع المفسرون رحمة , ومن الملائكة استغفار وهي من الناس دعاء و ولا أحد يعلم على وجه القطع واليقين مدى النعيم والفضل الذي يناله محمد (ص) منها ولذلك فإننا نرفعها إلى الله ليتولاها ويجازي بها فهو أكرم وأعلم وأجل , وصلاة الله على نبيه لا تنتهي ولا تنقطع لأن الله حي لا يموت .
والآية الكريمة تضمنت كذلك تشريعا للمؤمنين بوجوب الصلاة على النبي جيلا وراء جيل وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها و وقد جاء في تفسير الألو سي أن الصلاة على النبي في كل وقت وحين " من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها و لا يغفلها إلا من لاخير فيه " , وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما أن رسول الله (ص) قال " البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي "(2) .
وقد عد العلامة بن حجر العسقلاني في كتابه الزواجر ترك الصلاة على النبي , الكبيرة الستين عند سماع ذكره (ص) , والأحاديث التي أمرت بالصلاة على النبي كثيرة .
أما كيفية الصلاة على النبي , فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال : أتانا رسول الله (ص) ونحن في مجلس سعد بن عبادة رضي الله عنه فقال بشير بن سعد رضي الله عنه : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله (ص) حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله (ص ) " قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم , وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم , في العالمين إنك حميد مجيد .
وقد ذكر الألوسي في تفسيره أن كيفية الصلاة على النبي لا يوقف فيها مع النصوص و بمعنى أنه بإمكان المرء أن يزيد فيها إذا كانت لديه قدرة خاصة على التعبير و وأراد أن يزيد على النص فقد أخرج ابن ماجة حديثا موقوفا بإسناد حسن عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا صليتم على رسول الله (ص) فأحسنوا الصلاة عليه و فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قالوا فعلمنا ! قال : قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك , إمام الخير وقائد الخير و ورسول الرحمة , اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون . اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد , اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم . انك حميد مجيد ." ( 3 )
وإذا أراد المرء المسلم أن تصلي عليه الملائكة فعليه أن يديم الصلاة على النبي (ص) فقد صح عن النبي (ص) أنه قال ما من عبد يصلي علي إلا صلت الملائكة عليه ما دام يصلي علي فليقل العبد من ذلك أو يكثر ", وإذا أراد أن تكتب له عشر حسنات وتمحى عنه عشر سيئات , وترفع له عشر درجات ويصلي الله عليه عشرا فليصل على النبي (ص) فقد صح عنه أنه قال " من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات ,ورفع له عشر درجات " ( 4 ) .
والصلاة على الرسول تعد سببا من أسباب نيل المصلي لشفاعة الحبيب (ص) يوم القيامة فقد صح عنه (ص) أنه قال : " من صلى علي حين يصبح عشرا و حين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة " , وصح عنه كذلك أنه قال : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول , ثم صلوا علي , فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا , ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله , وأرجو أن أكون أنا هو , فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة " ( 5 ) .
والصلاة على النبي رحمة وبركة وهي كذلك طيب فواح لا يخلو منها مجلس إلا حرم منه فقد صح عنه (ص) أنه قال : " ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر الله وصلاة على النبي إلا قاموا عن انتن من جيفة " ولذلك وجب على المجتمعين أن يعطروا مجالسهم بذكر الله وبالصلاة على نبيه محمد ( ص) .
والصلاة على النبي (ص) سبب لعرض اسم المصلي على النبي (ص) مع ما في ذلك من ثواب وشرف رفيع لا يدانيه شرف وحين تعرض عليه يجيب عليها فعن اوس بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ص) " إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة , فأكثروا علي من الصلاة فيه ,فإن صلاتكم معروضة علي , قالوا يا رسول الله , وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ( قال يقولون بليت ) قال : إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء " ( 6 ) .فالأرض لا تأكل أجساد الأنبياء وإنما تأكل أجساد البشر , فالله يحيي نبيه ليرد على من يصلي عليه , وأجساد الأنبياء طيبة عطرة وقد أدرك إعرابي هذا المعنى حين زار قبر رسول الله فأنشد يقول :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنة فيه العفاف وفيه الجود والكرم
والدعاء يقبل بإذن الله بالصلاة على النبي فعن عبد الله بن مسعود قال :كنت أصلي والنبي (ص ) وأبو بكر وعمر معه فلما جلست بدأت بالثناء على الله ثم الصلاة على النبي (ص) ثم دعوت لنفسي فقال النبي (ص) " سل تعطه .. سل تعطه ." .
وثواب الصلاة على النبي (ص) وآثارها عظيمة ووفيرة وتغمر المسلم في حياته وبعد مماته , وهي من أفضل العبادات التي يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى , وبها يلتمس الخير وترتجى الرحمة في الدنيا والآخرة , والصلاة على النبي (ص) من العبادات التي لاترد فهي عبادة مقبولة دائما بإذن الله ولا يمكن اعتبارها من العبادات المردودة وعلى المسلم أن يحرص على أدائها بقلبه ولسانه وجوارحه حتى ينال ثوابها :
أدم الصلاة على النبي محمد فقبولها حتم بدون تردد
أعمالنا بين القبول ورفضها إلا الصلاة على النبي محمد .
وقد أفاض العلماء والكتاب في عد وإحصاء ما يترتب على الصلاة على النبي (ص) من حسن الثواب ففضلا عن كونها استجابة لأمر الخالق عز وجل وموافقة المسلم المؤمن للملائكة في صلواتها فإنها سبب للغفران وتفريج الكرب وإذهاب الهموم , وسبب لقرب العبد يوم القيامة من النبي (ص) وهي تقوم مقام الصدقة لمن لا يملك مالا ليتصدق به أي أنها تقوم مقام الصدقة لذي العسرة , وهي زكاة للمصلي وطهرة له , وسبب لنفي الفقر والبخل عن العبد حيث أشار رسول الله (ص) إلى أن البخيل من ذكر عنده ولم يصلي عليه , وتبشر العبد بالجنة قبل موته , وهي نجاة له من أهوال يوم القيامة ومنها أنها تنجي من نتن المجلس الذي لا يذكر فيه الله ولا رسوله , وهي سبب للشفاعة وتمام الكلام وللنور الموفور للعبد عند مروره على الصراط . والصلاة على النبي (ص) تخرج العبد عن الجفاء , وهي سبب لإبقاء الله سبحانه وتعالى الثناء الحسن للمصلى عليه بين أهل السماء والأرض , لأن المصلي التمس من الله أن يثني على رسوله الكريم (ص) ويكرمه ويشرفه , ولما كان الجزاء من جنس العمل فإن للمصلي نفس الثواب – أي رحمة وذكر وثناء من الله عز وجل , فأي شيء هو أفضل من الوصول إلى هذه المرتبة وعليه فإن الصلاة على النبي هي من أفضل العبادات التي ينبغي أن يحرص عليها المسلمون في كل أوقاتهم حين يصبحون وحين يمسون وفي كل وقت يذكر فيه اسم نبيهم وكلما تيسر لهم ذلك فالصلاة والسلام عليك يا أكرم خلق الله , ولله الحمد في الأولى والآخرة .
الهوامش :
1- سورة الأحزاب : الآية 56
تفسير الألو سي – تفسير سورة الأحزاب